سورة الإنسان - تفسير تفسير البغوي

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (الإنسان)


        


{هَلْ أَتَى عَلَى الإنْسَانِ} يعني آدم عليه السلام {حِينٌ مِنَ الدَّهْرِ} أربعون سنة ملقى من طين بين مكة والطائف قبل أن ينفخ فيه الروح {لَمْ يَكُنْ شَيْئًا مَذْكُورًا} لا يذكر ولا يعرف ولا يدرى ما اسمه ولا ما يراد به، يريد: كان شيئًا ولم يكن مذكورًا، وذلك من حين خلقه من طين إلى أن ينفخ فيه الروح.
روي أن عمر سمع رجلا يقرأ هذه الآية: {لم يكن شيئًا مذكورًا} فقال عمر: ليتها تمت، يريد: ليته بقي على ما كان قال ابن عباس: ثم خلقه بعد عشرين ومائة سنة. {إِنَّا خَلَقْنَا الإنْسَانَ} يعني ولد آدم {مِنْ نُطْفَةٍ} يعني: مَنْي الرجل ومني المرأة.
{أَمْشَاجٍ} أخلاط، واحدها: مَشْجٌ ومَشِيْجٌ، مثل خدن وخدين.
قال ابن عباس، والحسن، ومجاهد والربيع: يعني ماء الرجل وماء المرأة يختلطان في الرحم فيكون منهما الولد، فماء الرجل أبيض غليظ وماء المرأة أصفر رقيق، فأيهما علا صاحبه كان الشبه له، وما كان من عصب وعظم فهو من نطفة الرجل، وما كان من لحم ودم وشعر فمن ماء المرأة.
وقال الضحاك: أراد بالأمشاج اختلاف ألوان النطفة، فنطفة الرجل بيضاء وحمراء وصفراء، ونطفة المرأة خضراء وحمراء وصفراء وهي رواية الوالبي عن ابن عباس. وكذلك قال الكلبي: قال: الأمشاج البياض في الحمرة والصفرة. وقال يمان: كل لونين اختلطا فهو أمشاج. وقال ابن مسعود: هي العروق التي تكون في النطفة.
وقال الحسن: نطفة مشجت بدم، وهو دم الحيضة، فإذا حبلت ارتفع الحيض.
وقال قتادة: هي أطوار الخلق نطفة، ثم علقة، ثم مضغة، ثم عظمًا ثم يكسوه لحمًا ثم ينشئه خلقا آخر.
{نَبْتَلِيهِ} نختبره بالأمر والنهي {فَجَعَلْنَاهُ سَمِيعًا بَصِيرًا} قال بعض أهل العربية: فيه تقديم وتأخير، مجازه فجعلناه سميعًا بصيرًا لنبتليه لأن الابتلاء لا يقع إلا بعد تمام الخلقة.


{إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ} أي بينا له سبيل الحق والباطل والهدى والضلالة، وعرَّفناه طريق الخير والشر {إِمَّا شَاكِرًا وَإِمَّا كَفُورًا} إما مؤمنا سعيدا وإما كافرا شقيا. وقيل: معنى الكلام الجزاء، يعني: بيَّنا له الطريق إن شكر أو كفر. ثم بيَّن ما للفريقين فقال: {إِنَّا أَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ سَلاسِلَ} يعني: في جهنم قرأ أهل المدينة والكسائي، وأبو بكر عن عاصم: {سلاسلا} و{قواريرًا} فقوارير بالألف في الوقف، وبالتنوين في الوصل فيهن جميعا، وقرأ حمزة ويعقوب بلا ألف في الوقف، ولا تنوين في الوصل فيهن، وقرأ ابن كثير {قوارير} الأولى بالألف في الوقف وبالتنوين في الوصل، و{سلاسل} و{قوارير} الثانية بلا ألف ولا تنوين وقرأ أبو عمرو وابن عامر وحفص {سلاسلا} و{قواريرا} الأولى بالألف في الوقف على الخط وبغير تنوين في الوصل، و{قوارير} الثانية بغير ألف ولا تنوين. قوله: {وَأَغْلالا} يعني: في أيديهم، تغل إلى أعناقهم {وَسَعِيرًا} وقودًا شديدًا.


{إِنَّ الأبْرَارَ} يعني المؤمنين الصادقين في إيمانهم المطيعين لربهم، واحدهم بار، مثل: شاهد وأشهاد، وناصر وأنصار، وبر أيضا مثل: نهر وأنهار {يَشْرَبُونَ} في الآخرة، {مِنْ كَأْسٍ} فيها شراب {كَانَ مِزَاجُهَا كَافُورًا} قال قتادة: يمزج لهم بالكافور ويختم بالمسك. قال عكرمة: {مزاجها} طعمها، وقال أهل المعاني: أراد كالكافور في بياضه وطيب ريحه وبرده، لأن الكافور لا يشرب، وهو كقوله: {حتى إذا جعله نارا} [الكهف- 96] أي كنار. وهذا معنى قول قتادة ومجاهد: يمازجه ريح الكافور. وقال ابن كيسان: طيبت بالكافور والمسك والزنجبيل. وقال عطاء والكلبي: الكافور اسم لعين ماء في الجنة. {عَيْنًا} نصب تبعًا للكافور. وقيل: هو نصب على المدح. وقيل: أعني عينا. وقال الزجاج: الأجود أن يكون المعنى من عين {يَشْرَبُ بِهَا} قيل: يشربها والباء صلة وقيل بها أي منها {عِبَادَ اللَّهِ} قال ابن عباس أولياء الله {يُفَجِّرُونَهَا تَفْجِيرًا} أي يقودونها حيث شاؤوا من منازلهم وقصورهم، كمن يكون له نهر يفجره هاهنا وهاهنا إلى حيث يريد. {يُوفُونَ بِالنَّذْرِ} هذا من صفاتهم في الدنيا أي كانوا في الدنيا كذلك.
قال قتادة: أراد يوفون بما فرض الله عليهم من الصلاة والزكاة والصوم والحج والعمرة، وغيرها من الواجبات ومعنى النذر: الإيجاب.
وقال مجاهد وعكرمة: إذا نذروا في طاعة الله وفوا به.
أخبرنا أبو الحسن السرخسي، أخبرنا زاهر بن أحمد، أخبرنا أبو إسحاق الهاشمي، أخبرنا أبو مصعب، عن مالك، عن طلحة بن عبد الملك الأيلي، عن القاسم بن محمد، عن عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «من نذر أن يطيع الله فليطعه، ومن نذر أن يعصي الله فلا يعصه» {وَيَخَافُونَ يَوْمًا كَانَ شَرُّهُ مُسْتَطِيرًا} فاشيًا ممتدًا، يقال: استطار الصبح، إذا امتد وانتشر.
قال مقاتل: كان شره فاشيًا في السماوات فانشقت، وتناثرت الكواكب، وكورت الشمس والقمر، وفزعت الملائكة، وفي الأرض: فنسفت الجبال، وغارت المياه، وتكسر كل شيء على الأرض من جبل وبناء. {وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ} أي على حب الطعام وقلته وشهوتهم له وحاجتهم إليه. وقيل: على حب الله عز وجل: {مِسْكِينًا} فقيرًا لا مال له {وَيَتِيمًا} صغيرًا لا أب له {وَأَسِيرًا} قال مجاهد وسعيد بن جبير وعطاء: هو المسجون من أهل القبلة. وقال قتادة: أمر الله بالأسراء أن يحسن إليهم، وإن أسراهم يومئذ لأهل الشرك. وقيل: الأسير المملوك. وقيل: المرأة، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: «اتقوا الله في النساء فإنهن عندكم عوان» أي أسراء.
واختلفوا في سبب نزول هذه الآية، قال مقاتل: نزلت في رجل من الأنصار أطعم في يوم واحد مسكينًا ويتيمًا وأسيرًا.
وروى مجاهد وعطاء عن ابن عباس: أنها نزلت في علي بن أبي طالب رضي الله عنه، وذلك أنه عمل ليهودي بشيء من شعير، فقبض الشعير فطحن ثلثه فجعلوا منه شيئًا ليأكلوه، فلما تمَّ إنضاجه أتى مسكين فسأل فأخرجوا إليه الطعام، ثم عمل الثلث الثاني فلما تم إنضاجه أتى يتيم فسأل فأطعموه، ثم عمل الثلث الباقي فلما تم إنضاجه أتى أسير من المشركين، فسأل فأطعموه، وطووا يومهم ذلك: وهذا قول الحسن وقتادة، أن الأسير كان من أهل الشرك، وفيه دليل على أن إطعام الأسارى، وإن كانوا من أهل الشرك، حسن يرجى ثوابه.

1 | 2 | 3